responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 298
وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْوَقْفُ وَاجِبٌ فِي كُلِّ عَامٍّ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ يَثْبُتُ بِهِ أَخَصُّ الْخُصُوصِ، أَمَّا مَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ فَقَدْ احْتَجَّ بِأَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ مُجْمَلٌ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ لِاخْتِلَافِ أَعْدَادِ الْجَمْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤَكَّدُ بِمَا يُفَسِّرُهُ فَيُقَالُ جَاءَنِي الْقَوْمُ أَجْمَعُونَ وَكُلُّهُمْ، فَلَمَّا اسْتَقَامَ تَفْسِيرُهُ بِمَا يُوجِبُ الْإِحَاطَةَ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مُحْتَمَلًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَاصَّ لَا يُؤَكَّدُ بِمِثْلِهِ يُقَالُ جَاءَنِي زَيْدٌ نَفْسُهُ لَا جَمِيعُهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ دُونَ الْبَيَانِ فَلَا يُؤَكَّدُ بِالْجَمِيعِ وَقَدْ ذُكِرَ الْجَمْعُ وَأُرِيدَ بِهِ الْبَعْضُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173] وَإِنَّمَا هُوَ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ وَجَبَ الْوَقْفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْحَرَمِ فَإِذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَالْقَطْعُ بِالْجِنَايَةِ أَوْ السَّرِقَةُ لَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَهُ إلَّا مِنْ الَّذِي ثَبَتَ تَبَعًا بِخِلَافِ طَرَفِ الصَّيْدِ فَإِنَّ طَرَفَهُ بِمَنْزِلَةِ ذَاتِهِ لِأَنَّ الصَّيْدَ لَا يَبْقَى مُتَوَحِّشًا بَعْدَ فَوَاتِ طَرَفِهِ فَكَانَ إتْلَافُ طَرَفِهِ إخْرَاجًا لَهُ عَنْ الصَّيْدِيَّةِ وَلِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ فِيهِ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» الْحَدِيثَ وَكَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ إنْشَاءِ الْقَتْلِ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ فِيهِ لِأَنَّ النَّصَّ تَنَاوَلَ الدَّاخِلَ فِي الْحَرَمِ وَبِالدُّخُولِ يَثْبُتُ الْأَمَانُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ وَلِأَنَّ الْمُلْتَجِئَ إلَى الْحَرَمِ مُعَظِّمٌ حُرْمَتَهُ بِالِالْتِجَاءِ إلَيْهِ فَاسْتَحَقَّ الْأَمْنَ، وَالْمُنْشِئُ هَاتِكٌ لِحُرْمَتِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَمْنُ.
وَأَمَّا قَتْلُ ابْنِ خَطَلٍ فَقَدْ كَانَ فِي سَاعَةِ أُحِلَّتْ مَكَّةُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ أَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَالزِّيَادَةُ لَيْسَتْ بِمَشْهُورَةٍ وَلَئِنْ ثَبَتَتْ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْعُقُوبَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْعَامُّ يُوجِبُ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْيَقِينِ]
قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ الْعَامُّ يُوجِبُ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْيَقِينِ) يَعْنِي مُوجِبُ الْعَامِّ عِنْدَهُ ظَنِّيٌّ بِمَنْزِلَةِ الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلِهَذَا جَوَّزَ تَخْصِيصَ الْعَامِّ ابْتِدَاءً بِهِمَا وَجَعَلَ الْخَاصَّ أَوْلَى بِالْمَصِيرِ إلَيْهِ مِنْ الْعَامِّ مُتَقَدِّمًا كَانَ أَوْ مُتَأَخِّرًا كَذَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا دَلَّتْ مَسَائِلُهُ فَإِنَّهُ رَجَّحَ خَبَرَ الْعَرَايَا عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ كَيْلٌ بِكَيْلٍ» الْحَدِيثَ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبَيَانُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَجَازَ الْعَرِيَّةَ وَهِيَ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ مَا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ خَرْصًا بِمِثْلِ مَا يَعُودُ إلَيْهِ بَعْدَ الْجَفَافِ تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» سُئِلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ قَالَ «إنَّ مَحَاوِيجَ الْأَنْصَارِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرُّطَبَ لِيَأْتِيَنَا وَلَيْسَ بِأَيْدِينَا نَقْدٌ نَبْتَاعُهُ وَعِنْدَنَا فُضُولُ قُوتِنَا مِنْ التَّمْرِ فَرَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَبْتَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فَنَأْكُلَ مَعَ النَّاسِ الرُّطَبَ» فَرَجَّحَ خَبَرَ الرُّخْصَةِ لِخُصُوصِهِ عَلَى الْخَبَرِ الْعَامِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ لِأَنَّ مَا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ تَمْرٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالتَّمْرِ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ عَمَلًا بِعُمُومِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَرَجَّحْنَاهُ بِعُمُومِهِ وَلَكِنْ بِكَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَى قَبُولِهِ عَلَى الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ، وَقُلْنَا الْعَرِيَّةُ الَّتِي رَخَّصَ فِيهَا هِيَ الْعَطِيَّةُ وَهِيَ أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَةَ بُسْتَانِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ يَشُقَّ عَلَى الْمُعْرِي دُخُولُهُ فِي بُسْتَانِهِ لِمَكَانِ أَهْلِهِ فِيهِ وَلَا يَرْضَى مِنْ نَفْسِهِ خُلْفَ الْوَعْدِ وَالرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَيُعْطِيَهُ مَكَانَ ذَلِكَ تَمْرًا مَحْدُودًا بِالْخَرْصِ لِيَنْدَفِعَ ضَرَرُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونَ مُخْلِفًا لِلْوَعْدِ وَهَذَا عِنْدَنَا جَائِزٌ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَمْ يَصِرْ مِلْكًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَا دَامَ مُتَّصِلًا بِمِلْكِ الْوَاهِبِ فَمَا يُعْطِيهِ مِنْ التَّمْرِ لَا يَكُونُ عِوَضًا عَنْهُ بَلْ يَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَلِكَ تَبَعًا مَجَازًا لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ عِوَضٌ يُعْطِيهِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ خُلْفِ الْوَعْدِ، وَاتَّفَقَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الرُّخْصَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهِ فَنَقَلَ كَمَا وَقَعَ عِنْدَهُ وَكَذَلِكَ رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ» كَمَا رَجَّحَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، إلَّا أَنَّهُ رَجَّحَ نَظَرًا إلَى خُصُوصِهِ وَعُمُومِ الْآخَرَ فَإِنَّ الْخَاصَّ عِنْدَهُ رَاجِحٌ عَلَى الْعَامِّ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُمَا رَجَّحَاهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّارِيخَ لَمَّا لَمْ يُعْرَفْ بَيْنَهُمَا جُعِلَا كَأَنَّهُمَا وَرَدَا مَعًا فَجُعِلَ الْخَاصُّ مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ حَتَّى لَوْ عُلِمَ كَوْنُ الْعَامِّ مُتَأَخِّرًا كَانَ نَاسِخًا لِلْخَاصِّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ قَوْلُهُ

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 298
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست